فصل: وقوله تعالى: {فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلى سَفَرٍ} (184):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قوله تعالى: {فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ} (182):

يحتمل أن يكون معناه أن يعلم من الموصي جنفا أو غيظا على بعض الورثة، وأن ذلك ربما يحمله عن زي الميراث عن الوارث، فعلى من خاف ذلك منه أن يرده إلى العدم ويخوفه عاقبة الجور، ويدخل بين الموصى له والورثة على وجه الإصلاح لئلا يقطع عنه الميراث بوصيته، أو يرجع عن وصية كانت منه إلى غير أهلها قاصدا قطع الميراث، وهذا وإن كان فيه أجر عظيم ولكنه قد يظن الظان امتناع جواز ذلك، ولذلك قال: {فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} وقد وعد بالثواب على مثله وغيره، فقال: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ} إلى قوله: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}.
الضمير في قوله: {بَيْنَهُمْ} يجوز أن يكون يرجع إلى الموصى له والورثة إذا تنازعوا، ويجوز أن يرجع إلى الموصي والورثة، فأفاد بهذه الآية أن على الوصي والحاكم والوارث، وكل من وقف على جور في الوصية من جهة الخطأ والعمد ردها إلى العدل.
ودل على أن قوله: {بَعْدَ ما سَمِعَهُ} خاص في الوصية العادلة دون الجائرة.
وفيها الدلالة على جواز اجتهاد الرأي، والعمل على غالب الظن، لأن الخوف من الميل يكون في غالب ظن الخائف.
وفيها رخصة في الدخول بينهم على وجه الإصلاح مع ما فيه من زيادة أو نقصان عن الحق بعد أن يكون ذلك بتراضيهم.
فرض الصيام في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (183)، وقوله: {كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} يحتمل ثلاثة معاني كلها منقوله عن أهل التفسير:
قال الحسن والشعبي، وقتادة: كتب على الذين من قبلنا وهم النصارى شهر رمضان أو مقداره من عدد الأيام، وإنما حولوه وزادوا فيه.
وقال ابن عباس: كان الصوم من العتمة إلى العتمة ولا يحل بعد النوم أن يأكل ويشرب وينكح، ثم نسخ فكان ذلك صوما بالليل لا تشبها بالصائمين ولا عقوبة على أكل حرام بل كان عبادة.
وقال آخرون: معناه أنه كتب علينا صيام أيام، ولا دلالة فيه على مساواته في المقدار، بل جائز فيه الزيادة والنقصان.
وروى عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال: أحيل الصيام ثلاثة أحوال، قدم أولا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة فجعل يصوم كل شهر ثلاثة أيام، وصيام عاشوراء، ثم إن اللّه تعالى فرض الصيام فقال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ}. وذكر نحو قول ابن عباس الذي ذكرناه وقدمناه، وليس في قوله: {كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} دلالة على المراد في العدد في أو صفة الصوم أو في الوقت فكان اللفظ مجملا.

.وقوله تعالى: {فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلى سَفَرٍ} (184):

يقتضي تعليق جواز الإفطار على اسم المرض والسفر، إلا أن المريض الذي لا يضره الصوم مخصوص إجماعا، ولا يعرف له مأخذ أقوى من الإجماع.
وأطلق السفر ولم يذكر له حدا، والمسافة القريبة لا تسمى سفرا في العرف، فلا جرم اختلف العلماء في تحديده، فحده أبو حنيفة بثلاثة أيام والشافعي بستة عشر فرسخا، ولكل مأخذ.
قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} (184):
قال الشافعي. ظاهره أن الذين يطيقونه إذا لم يصوموا أطعموا، ونسخ ذلك في غير الحامل والمرضع، وهي في حقهما ظاهره، ومنه قال علي رضي اللّه عنه في المريض والمسافر إنه يفطر ويطعم كل يوم مسكينا صاعا، ثم قال: وذلك قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}.
وكانت عائشة تقرأ: {وعلى الذين يطوقونه فدية} وذلك في الشيخ الهرم.
والذي قاله علي رضي الله عنه فيه نظر، فإن قوله: {فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلى سَفَرٍ} يتبع دلالة قوله بعد ذلك: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} على المسافر والمريض، لأن ما عطف على الشيء غيره لا محالة، وليس يظهر أيضا حمله على الشيخ الكبير، فإنه ليس مطيقا، بل كان مطيقا ثم عجز، فعلى هذا قال مالك وربيعة في حق الشيخ الكبير: لا أرى عليه إطعاما فإن فعل فحسن، ولم يروا الفدية قائمة مقام الصوم الذي هو عبادة بدنية، ولا أن تكليف الصوم لاقاه، وهم يقولون: الذي نسخ كان ترك الصوم إلى الإطعام لا قضاء الصوم مع الإطعام، وقد سمى اللّه تعالى ذلك فدية، والفدية ما يقوم مقام ما يفدى عنه، فالجمع بين الفدية والقضاء لا وجه له، وكان الواجب في الأصل أحد سببين من فدية أو صيام لا على وجه الجمع، فكيف يجوز الاستدلال به على إيجاب الجمع بينهما على الحامل أو المرضع.
نعم قال ابن عباس في الحامل والمرضع عليهما الفدية ولا قضاء عليهما، فله حجة في ظاهر القرآن في اقتصاره على إيجاب الفدية دون القضاء، فكانت الآية دالة في الأصل على التخيير بين الفدية والصوم، فلا يجوز أن يتناول الحامل والمرضع لأنهما غير مخيرين، لأنهما إما أن يخافا فعليهما الإفطار بلا تخيير، أو لا يخافا فعليهما الصيام بلا تخيير، ولا يجوز أن تتناول الآية فريقين: تقتضي بظاهرها إيجاب الفدية، ويكون المراد في أحد الفريقين التخيير بين الإطعام والصيام، وفي الفريق الآخر إما الصيام على وجه الإيجاب بلا تخيير أو الفدية بلا تخيير، وقد تناولهما لفظ الآية من وجه واحد، فثبت بذلك أن الآية لم تتناول الحامل أو المرضع.

.قوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ} (185):

يحتمل معاني، منها:
من كان شاهدا لمعني مقيما غير مسافر، كما يقال الشاهد والغائب، فمقتضاه أن لا يجب على المسافر، لكنه لما قال: {وَمَنْ كانَ مَرِيضًا أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (185) بين حكم المرضى والمسافرين في الإيجاب.
ويحتمل أن يكون قوله: {شَهِدَ} {الشَّهْرَ} أي علمه، وذلك يدل على أن من أفاق من الجنون بعد مضي شهر رمضان فلا قضاء عليه، خلافا لمالك فإنه قال فيمن بلغ وهو مجنون، فمكث سنين ثم أفاق، فإنه يقضي صيام تلك السنين ولا تقضى الصلاة، ومالك يحمل قوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} على شهوده بالإقامة وترك السفر دون ما ذكره غيره من شهوده بالتكليف.
ويصعب عليه الفرق بين الصغر والجنون فإنهما ينافيان التكليف وليس اسم المرض متناولا له.
وأبو حنيفة يقول: قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} لا يمكن أن يراد به شهود جميع الشهر لأنه لا يكون شاهدا لجميع الشهر إلا بعد مضيه كله، ويستحيل أن يكون مضيه شرطا للزوم صومه كله، لأن الماضي من الوقت يستحيل فعل الصوم فيه، فعلم أنه لم يرد شهود جميعه، فتقدير الكلام عنده: فمن شهد منكم بعض الشهر فليصم ما لم يشهده منه، وهذا بعيد جدا.
ومالك يقول: شهد أي أدرك، كما يقال: شهد زمان النبي عليه السلام أي أدرك، والمجنون قد أدرك ذلك الزمان فلزمه الصوم لزوما في الذمة.

.قوله تعالى: {فَلْيَصُمْهُ}:

والصوم في اللغة: الإمساك المطلق، غير مختص بالإمساك عن الأكل والشرب دون غيرهما، بل كل إمساك فهو مسمى في لغة صوما، غير أن اللّه تعالى أحل الأكل والشرب والجماع إلى أن يصبح، ثم أمر بإتمام الصوم إلى الليل، ففحوى الكلام تحريم أباحه الليل وهو الأشياء الثلاثة، ولا دلالة فيه على غيرها بل هو موقوف على الدليل، ولهذا ساغ الإختلاف فيه واختلف فيه علماء السلف.
وأما الحيض والاستقاء فلمنافاتهما للصوم، فلا يعلل أصلا، فقاس قوم الجنابة على الحيض، وقاس قوم الحجامة على الاستقاء، لأنهما استخراج الفضلة من البدن.
وروى ابن عباس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم احتجم صائما.
قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} يدل على جواز القضاء متتابعا ومتفرقا، فإنه ذكر الأيام منكرة، فإذا فرق فقد أتى بما اقتضاه الأمر، وفهمنا أن تتابع صوم رمضان للشهر لا لنفس الصوم، ولذلك لم يكن إفساد يوم منه مانعا صوم الباقي، وقد قال اللّه تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فدل على جواز التأخير من غير أن يتحدد بوقت، وهو كالأمر المطلق الذي لا يتقيد بوقت، ويجوز مفرقا ومجموعا.
والشافعي رأى تقييد القضاء بالسنة قبل دخول رمضان آخر وقال: إذا دخل رمضان آخر فدى عن كل يوم بمد، ورواه عن ابن عباس وابن عمر.
فأما ما روي عن ابن عباس أن رجلا جاء إليه فقال: مرضت رمضانين، فقال ابن عباس: استمر بك المرض أو صححت فيما بينهما؟
قال: بل صححت، قال: صم رمضانين، واطعم ستين مسكينا.
وعن ابن عمر: أنه سئل عمن فرط في قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر؟ قال: يصوم الذي أدركه ويطعم عن الأول كل يوم مدا من تمر ولا قضاء عليه، وهذا يشبه مذهبه في الحامل والمرضع أنهما يطعمان ولا قضاء عليهما، وأقوال الصحابة على خلاف القياس قد يحتج بها.
فقيل لهم فالقضاء بعد الصوم الآخر مأخوذ من قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. واللفظ قد تناول الأوقات فلا يجوز أن يكون قد أوجب القضاء على قوم والفدية على قوم آخرين، بل يقتضي أن يكون الحكم في الكل واحدا، وغاية قول الصحابي على خلاف القياس، أن يتوهم فيه توقيف، مع احتمال كون احتجاجه بالتوقيف فاسدا وغلطا، فظهور هذا من كتاب اللّه تعالى أولى بالاعتبار والإتباع.
وذكر داود الأصفهاني أن قضاء رمضان يجب على الفور، وأنه إذا لم يصم اليوم الثاني من شوال أثم لأنه لو مات عصى، وبنى عليه أنه لو وجب عليه عتق رقبة، فوجد رقبة تباع بثمن، فليس له أن يتعداها ويشتري غيرها، لأن الفرض عليه أن يعتق أول رقبة يجدها فلا يجزيه غيرها، ولو كان عنده رقبة فلا يجوز أن يشتري غيرها، ولو مات الذي عنده فلا يبطل العتق كما يبطل فيمن نذر أن يعتق رقبة بعينها فماتت يبطل نذره، وذلك يفسد قوله.
وقد قال بعض الأصوليين: إذا مات بعد مضي اليوم الثاني من شوال لا يعصى على شرط العزم.
وقال الرازي أبو بكر إنه لا يعصى إلى السنة القابلة، فإن آخر الوقت معلوم، فبنى عليه أنه لو مات في خلال السنة لا يعصى، فقدر القضاء بالسنة، وذلك خلاف قول الجماعة، وجعله كوقت الصلاة لما كان التأخير موسعا عليه إلى آخره، لم يكن مفرطا بتأخيره إلى أن مات قبل مضي الوقت، فكذلك قضاء رمضان.
وأجمعوا على وجوب الفدية إذا مات قبل مضي السنة لا لكونه عاصيا، كما تجب على الشيخ الكبير، وتجب الفدية أيضا على من فاته صوم رمضان ومات في أول يوم من شوال.

.قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}:

استدل به قوم على أن المسافر لا صوم عليه، لأن قوله: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} يدل على أن الصوم المسافر في الأيام الأخر، ولم يقدروا الإضمار مثل قول أكثر العلماء: فأفطر فعدة من أيام أخر، وهذا مذهب يروى عن أبي هريرة وقال به داود إلا أنه صح أن رسول اللّه صام في السفر.
وعن عائشة أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أصوم في السفر؟ فقال: «إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر».
وروى أبو سعيد الخدري وابن عباس وأنس وجابر وأبو الدرداء وسلمة ابن المحبق صيام النبي عليه السلام في السفر، ومن خالف في هذا يدفع بظاهر قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. من غير فصل بين المفطر وبين الصائم.
ورووا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «ليس من البر الصوم في السفر».
ورووا عن الزهري عن أبي سلمة عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: «الصائم في السفر كالمفطر في الحضر».
وبحديث أنس عن النبي عليه السلام: «إن اللّه تعالى وضع عن المسافر شطر الصلاة والصوم، وعن الحامل والمرضع».
ومن يخالف هؤلاء يقول: روى جابر أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم رأى رجلا يظلل عليه والزحام عليه فقال: «ليس من البر الصيام في السفر» فجائز أن يكون كل من روى ذلك، فإنما حكى ما ذكره النبي عليه السلام في تلك الحال، وساق بعضهم ذكر السبب وحذفه بعضهم.
وذكر أبو سعيد الخدري، أنهم صاموا مع النبي صلّى اللّه عليه وسلم عام الفتح في رمضان، ثم إنه قال لهم: «إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا»، فكانت عزيمة من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.
قال أبو سعيد الخدري: لقد رأيتني مع النبي عليه السلام أصوم قبل ذلك وبعده، فيجوز أن يكون الخبر ورد على سبب، وهو حال لزوم القتال مع العلم بالعجز عنه مع فعل الصوم. ولأن قوله: {وأن تصوموا خير لكم} معطوف على كل من تقدم وبينهم المسافر والمريض.
ثم إنه إذا صام أهل بلد تسعة وعشرين يوما للرؤية، وفي البلد رجل مريض لم يصم، فإنه يقضي تسعة وعشرين يوما.
وقال قوم منهم الحسن بن صالح: إنه يقضي شهرا بشهر من غير مراعاة عدد الأيام. وهذا بعيد، لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ولم يقل فشهر من أيام أخر.

.وقوله: {فَعِدَّةٌ}:

يقتضي استيفاء عدد ما أفطر فيه، ولا شك في أنه لو أفطر بعض رمضان، وجب قضاء ما أفطر بعدده، كذلك يجب أن يكون حكم إفطار جميعه في اعتبار العدد.
وأجمع أصحاب أبي حنيفة على أنه إذا صام أهل بلدة ثلاثين للرؤية وأهل بلدة أخرى تسعة وعشرين، أن على الذين صاموا تسعة وعشرين قضاء يوم، وأصحاب الشافعي رحمه اللّه لا يرون ذلك، إذا كانت المطالع في البلدتين يجوز أن تختلف.
وحجة أصحاب أبي حنيفة قوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} وثبت برؤية أهل بلد أن العدة ثلاثون فوجب على هؤلاء إكمالها، ومخالفهم يحتج بما روي عن النبي عليه السلام أنه قال: «صوموا لرؤيته...» الحديث، وذلك يوجب اعتبار عادة كل قوم في بلدهم.
وروى الشافعي بإسناده عن كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام، قال: فقدمت الشام، فقضيت حاجتها، فاستهل رمضان وأنا بالشام. فرأينا الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني ابن عباس ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟
فقلت: ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصومه حتى يكمل الثلاثين أو نراه، فقلت: أو لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ قال: لا، هكذا أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقيل على هذا: قوله: هكذا أمرنا يحتمل أن يكون تأول فيه قول النبي عليه السلام: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته».